لا تشارك الإحداثيات
العالم الذي نعيش فيه أكبر منا و أكبر من الخريطة التي نمسكها لنكتشفه. هناك أماكن لا يمكنك القراءة عنها أو مشاهدتها على وثائقي، أو قراءتها في إعلان سياحي. ولطالما كانت فطرة الانسان أن يتنقل من مكان لآخر حتى يجد أكثر الأماكن ملائمة و استقراراً، أما الآن، فيسافر الناس للاستجمام، للعمل، أو لاكتشاف المجهول و المغامرة.
عندما قررنا أن نسافر لنشبع من الجمال و المغامرة، نجوب البلاد و الأراضي، لأن السفر نشاط توعوي بطريقة ما، فهو يفتح مداركنا على تفاصيل هذا العالم. فنعود ببصيرة الحالم الذي يلاحظ الجمال و التاريخ في كل مكان. لكننا نؤمن بأن كل فردٍ يستطيع القيام برحلته المميزة المختلفة عن باقي الناس، بمغامراتٍ مختلفة و ذكريات خاصة. لذلك فإنه لا يوجد طريقة واحدة للسفر و الاستكشاف. و لطالما كنا شغوفين بمشاركة القصص والصور نخبركم عن مدى جمال العالم في الخارج بل و لنعطي فرصة للمكان نفسه بأن يتحدث عن نفسه. كان الهدف الأسمى من وراء مشاركة مغامراتنا معكم هو أن نحثكم على المغامرة و استغلال المناطق الخلابة من الأرض و أن تصنعوا ذكرياتكم التي لا تُنسى. ولكننا في بعض الأحيان تحفظنا على مشاركة احداثيات مناطق معينة لأسباب كثيرة سنذكرها في المقال.
نتعجب كمصورين شغوفين بالطبيعة و التقاط الصور من فكرة أن الناس لا يرون الأثر السلبي الذي يعود على المناطق الطبيعية من جراء إرفاق إحداثياتها الجغرافية على وسائل التواصل الاجتماعي ” الإنترنت ” و الأمر المثير للدهشة أن الكثير لم يروا أي علاقة بين نشر الإحداثيات الجغرافية لمواقع طبيعية معينة وأعداد الزوَار الذين يتوجهون لزيارة هذه الأماكن.
مؤخراً لاحظنا إنزعاج الكثير بسبب ترددنا وعدم مشاركتنا إحداثيات المواقع الجغرافية لبعض الأماكن الطبيعية على حساباتنا في مواقع التواصل الإجتماعي أو على مدونتنا. حيث ان هذا التردد و التحفظ لم يأتي من فراغ، فالتغيرات التي يمكن أن تحدث في المكان من جراء اكتشافه من قبل أعداد هائلة من الأشخاص ذات تأثير مميت للغطاء النباتي. فنرى الكثير من المعالم الطبيعية التي إما تغيرت أو أصبحت ملوثة بالكامل من جراء مخلفات البشر. كما أنهم لا يتخذون احتياطات السلامة المناسبة من الابتعاد عن الحافات المميتة و عدم لمس النباتات البرية لأن بعضها قد يكون سام و الكثير من الإجراءات المهمة. وكل ما يهتمون به هو إلتقاط صورة العمر على حافة جبل ما مثلاً غير مدركي أن مثل هذه الأفعال قد تودي بحياتهم. كما أن قصص اكتشاف هذه الأماكن هي قصص طويلة و مليئة بالمغامرات و و الكثير من الخرائط الورقية و الالكترونية .. و رمبنا مرشدين أو ” دليل ” من المنطقة، كنا فقط نضع أمامنا الهدف بأننا نريد أن نكتشف مكاناً جميلاً معاً و نصنع ذكريات لا تنسى. هنا يكمن جمال الرحلة، في الطريقة التي يصل بها الناس للمكان أو لا يصلون حتى، فلطالما وصلنا لطريق مسدود و الكثير من التجارب كانت فاشلة، كنا أحياناً نهيم على وجوهنا بلا أية احداثيات، و لكننا دائماً ننتهي بمجموعة من الصور المميزة و الذكريات الجميلة. نحب أن ننوه هنا أن هذه المشكله لا تقتصر على المملكة العربية السعودية فقط .. و إنما هي مشكلة عالمية يعيشها العالم أجمع جراء أنانية و عدم وعي بعض البشر
هنا فديو بسيط يشرح وجهة نظرنا و المشكلة بشكل واضح وبسيط و بأدلة حية
اتجهت قبل فترة مجموعة محبة للبيئة للتشجيع على عدم نشر الإحداثيات الجغرافية لأنهم أدركوا مدى التأثير السلبي الذي يلحق بها من جراء معرفة الناس لها. فقد لا تتوفر حماية و لا قوانين تحكم الزيارة لهذه المناطق و بالتالي يترتب على ذلك تدميرها بالكامل و تلوثها.
هناك جوانب إيجابية وجوانب أخرى سوداوية لمشاركة احداثيات هذه المناطق على مواقع التواصل الإجتماعي ” أو الإنترنت بشكل عام ” ، و لا يخفى عليكم مدى أهمية غطاءنا النباتي خصوصاً في المملكة، وكيف أن الإخلال في عنصر من عناصرها يعود بعواقب وخيمة على الحياة البشرية، لذلك يتوجب علينا أن نكون مسؤولين و أن نحرص على رد الجميل إلى الطبيعة الخضراء خصوصاً في غياب الرقابة و القوانين الصارمة لحماية الممتلكات العامة ” او الأرض العامة “.
📍 الآثار الإيجابية لمشاركة الإحداثيات الجغرافية للأماكن الطبيعية:
تتمثل هذه الآثار في تشجيع الناس على مغادرة بيوتهم و الشروع في رحلة بحث عن جمال موجود وإحداثياته محددة. كما أن هذه الأماكن تشجع السياحة فبالتالي تنعش اقتصاد المنطقة لتصبح منطقة تجارية تعج بالناس وتنتهي عهد عذرية و نقاء هذا المكان، مما يؤثر و بشكل كبير أيضاً على الحياة الفطرية بشكل عام.
و نحن هنا في هذا المقال لسنا بصدد الحديث عن الإيجابيات، بل نريد أن ننوه على العواقب الوخيمة الناتجة عن مشاركة هذه الاحداثيات علناً على الانترنت لمواقع طبيعية غير مُدرجة في اي منشور سياحي، و من هذا المنطلق فنحن نشجع المهتمين بالاستكشاف والتنقيب عن مظاهر الجمال في العالم ولكننا نهيب بهم أن يحافظواعلى هذه الأماكن وإحداثياتها وكذلك أنتم.
📍 الآثار السلبية لمشاركة الإحداثيات الجغرافية للأماكن الطبيعية:
المشكلة تكمن في أن بعض الأخطاء التي نرتكبها يبقى لها صدى مدى الحياة، و كذلك الأمر مع البيئة فمثلاً حينما يقوم أي منا بنشر صورته مع احداثيات منطقة ما غير مشهورة أو مدرجة في المطويات السياحة .. وليست منطقة تمتاز او يتوفر بها اي من اساسيات الأمان و السلامة و حتى الخدمات على مواقع التواصل الاجتماعي.
سيدفع بذلك الناس لزيارة هذه المنطقة، و وجود وافدين جدد يعني اكتظاظ المنطقة، إمكانية تخريب الغطاء النباتي ،احتياج الأعداد الكبيرة من الناس لأماكن إقامة، مما يعني وجود خطط لإنشاء أماكن إقامة من فنادق ووسائل ترفيه. بعيداً عن التغيير الذي ستمر به هذه المنطقة غياب قوانين حماية الأراضي العامة يحتم العشوائية في ترتيب وتدبير هذه الإحتياجات ناهيك عن غياب أنظمة السلامة و أثرها على زائرين تلك المنطقة.
لك أن تتخيل عزيزي الان كمية التلوث والدمار والمخاطر التي من الممكن أن تؤذي حياة البشر و الطبيعة.
المحافظة على هذه الأماكن القيمة هو عمل جماعي بلا شك، و قد قام بعض المهتمين بهذا الأمر بتطوير مبدأ بعنوان “لا تترك أثر – Leave no trace” يعني أن تذهب لهذا المكان الساحر و تستمتع بجماله، تقضي فيه أحلى اللحظات، ثم تتركه أجمل مما كان عليه سابقاً و تنسحب. ثم يأتي بعد شخص يكتشف هذا المكان بطريقته الخاصة و يصنع ذكرياته الخاصة. و بالفعل فقد تبنت العديد من المنظمات والمبادرات هذا المبدأ و شجعت عليه. فليس كل الناس محبين للطبيعة و معنيين بالمحافظة عليها، فبعضهم مهمل و أناني يهتم فقط بالتنزه و الاستمتاع و لا يهمه إن أدى ذلك لتدمير كل شيء بعده.
هذا لا يعني بأننا لا نقوم بمشاركة احداثيات الأماكن الجغرافية، جميعنا مذنبين هنا، و لكننا نتحرى عند نشرها، فلا ننشرها على مواقع الانترنت حيث من المعروف أننا لا نستطيع التحكم في انتشار المعلومات على الشبكة ، وإن شاركنا إحداثيات لا نشاركها الا مع اصدقاء نثق بهم و هم على قدر عال من المسؤولية.
ولا يعني أيضا أننا لا نشارك معلوماتٍ كافية لتشجيعكم على الخروج و الاكتشاف .. فكما عهدتمونا .. نحن نشارك كل مانستطيع عدا هذه الاحداثيات التي تحدثنا عندها لخطورة تواجدها علي الانترنت كمان سبق و أن نوهنا في هذا المقال.
فما هي المغتمرة و ماهي لذة الإستكشاف إن لم تكن في البحث و القراءة وخوض طُرق لا نعلم نهايتها احياناً !! القلق من المجهول .. ودهشة ملاقاة بُقعة لم تكن تتخيلها! من رأيي اننا كصُناع محتوى من الرائع حث الجميع على الخروج و البحث و الاستكشاف اذا هو من اهتماماتهم بتوعيتهم بمعلومات مفتاحية كالسلامة والبحث الخ
من الضروري جداً أن نتكاتف جميعاً لنشر الوعي بين المؤسسات الحكومية والمجتمعية أن تحذو حذونا في المحافظة على البيئة ، حيث يمكن لهذه المؤسسات أن تقوم بدورٍ رقابي مهم في إرشاد منظمي الرحلات والمرشدين إلى المحافظة على البيئة و عدم مرافقة أعداد كبيرة من السياح لهذه الأماكن التي لا يتوفر عليها رقابة خصوصاً مع غياب أساسيات الامن و السلامة و قوانين المحافظة على هذه الأماكن كما تحدثنا سابقاً. فالموضوع يحتاج منا الكثير من التفكير والتروي والكثير الكثير من نشر الوعي.
سيسعد العالم بمشاهدة هذه الصور التي تشاركها معه، بل بالعكس فأنت تشجع الناس على المغامرة و الاستكشاف، و هنا نريد أن ننقل لك رسالة مهمة، لا ضرر في مشاركة الصور و التقاطها، ولكن توخى الحذر في ارفاق إحداثياتها الجغرافية، حتى إذا ما رغبت بزيارتها مرة أخرى كانت هي نفس البقعة الخضراء الجميلة التي احتضنتك في المرة الأولى. فيتوجب علينا الانتباه لهذه المشكلة قبل فوات الأوان و هنا نذكر أمثلة على بعض الأماكن الجغرافية التي تدمرت بالكامل مثل الثمامة – حافة العالم – دحل ” كهف ” هيت و غيرها من الشواطئ الجميلة العذراء و الصحاري الذهبية حيث تم مشاركة احداثياتها مما تسبب في تلوثها و فقدانها لجمالها و تراكم النفايات فيها بفعل التصرفات غير المسؤولة من الزوار.
و سلامتكم .. 😘
تابعونا على إنستغرام أو تويتر .. ولا تنسوا مشاركة هذا المقال و ترك بعض التعليقات التشجيعية أو الانتقادية في الأسفل إن أعجبكم ..
6 thoughts on “أثر مشاركة الإحداثيات”
تم غلق التعليقات
اشكركم على المقال الأكثر من رائع مع انه طويل بصراحه لكن اتفهم ضرورة الشرح وتوضيح وجهة النظر … اتفق معكم ١٠٠٪ للأسف ثقافة (اترك المكان كما كان) … تكاد تكون معدومه بيننا كسعوديين ليس الكل بل الأكثرية … من هذا المنطلق فقد أطلقت هيئة السياحه قبل عدة سنوات ومازال مستمر برنامجا خاص توعوي اسمه “لاتترك اثرا” بسبب كثرة المخالفات التي يتركها المتنزه خلفه عند الرحيل
للأسف زي ما كتبنا هي مشكلة عالمية مو بس في السعودية .. ولو انها في السعودية متفاقمة بشكل عجيب .. اعتقد ان الناس لازم يفهوا انه كل الارض هي بيتهم !! مسألة انك تترك مخلفاتك في كل مكان الا داخل بيتك هي اكبر عيب ممكن نشوفه .. قدامنا مشوار طويل
بالفعل اهنيكم جدا على هذه النبادرة الانسانية.. شخصيا قطعنا انيال بداية العام لزيارة جبل اللوز والاستمتاع بالثلج ولكننا وجدنا مزبلة قمامية حول التجمعات واماكن متفرقة..
والمكان الوحيد النظيف الذي استمتعنا فيه بالثلج هو تسلقنا لقمة جبل جدا عالية مع اطفالنا وكانت لحظات لا تنسى فعلا.. شكرا لكم.. من يحب الطبيعة سيبحث عنها لانها مهمة ممتعة ❤️🌼
شكرا للطفك و تفهمك .. الهدف هو مو اننا ما نساعد الناس انهم يتجولوا و يستمتعوا .. بس بعض الاماكن غير آمنه لهم ولام نهم
مقال رائع ..وتوجيه راقي منكم .. فعلا البعض لا يدرك اهمية جمال البيئة وكيفية المحافظة عليها ..يتعاملون بأنانيه غير مبالين بتصرفهم الغير مسؤول . اقنعتوني الأن بأهميه عدم مشاركة الاحداثيات ..كم انتم رائعين يا اروع كبلز .
شكرا للطفك